6/05/2011

صنعاء القديمة


قالوا قديماً ان الحكمة يمانية... ففي صنعاء التي تعني التاريخ الأول للحضارات الإنسانية تختلط روائح البخور والتوابل والحبوب بروائح التاريخ العبقة التي تفوح من اركانها ممثلة في القصص والحكايات، ولا غرابة في ذلك إذا ما فتحنا سجلات الماضي التي تقول بانها أقدم مدينة مأهولة في شبة الجزيزة العربية واول من قام ببنائها سام بن النبينوح، وعاش فيها النبي سليمان، والخليفة علي بن ابي طالب، والعديد من الصحابة والرواة واحتضنت مملكة سبأ وعرش بلقيس، وعلى ارضها كان الطوفان وسفينة نوح وقوم عاد وثمود ومن تربتها خرج يعقوب وقحطان. وفي صنعاء يرقد تاريخ الحضارات الفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية والفنيقية والإسلامية.
تعني صنعاء "المدينة المحصنة" وهي أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان وتبدو المنازل والشوارع الضيقة وكأننا نعيش في القرون الوسطى الحياة البدائية، وكانت على مدى قرون عديدة العاصمة الاقتصادية والسياسية والدينية لليمن. وتقول الكتب التاريخية ان لها الكثير من الأسماء والالقاب منها على سبيل المثال لا الحصر "مدينة سام بن نوح، أزل وهو الاسم الذي يقال انه جاء ذكره في التوارة، اما صنعاء وهو الأكثر شهرة حديثا فإنه يعني المدينة المحصنة" بل ان الوثائق التاريخية تقول بان هذا الاسم ظهر ضمن المخطوطات والاعمال المنقوشة القديمة ومنها خلال القرن الأول الميلادي حيث كان "ذو نواس "هو اخر ملوك الدولة الحميرية القديمة وهو أول من اعتبرها وجعلها العاصمة والمركز الرئيسي لسلطته وحكومته في بداية القرن السادس الهجري وفي الوقت نفسه قام الاحباش بتخصيص تلك المدينة عاصمة لهم في عام 525.
عرش بلقيس اختلفت الاراء حول العهد الأول للمدينة فاتجاه يرى انها كانت توجد في ظل حكم بلقيس بنت اليشرح ملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد كما أن أول ذكر لصنعاء في نقش من عهد "كرب ال وتار يهنعم ملك سبأ وابنه هلك امر" فيما قال رأي اخر ان أول من خطط المدينة هو ملك سبأ وذلك قبل حكم الملكة بلقيس.
ويقول ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان (لما دخلت الحبشة اليمن قالوا نعم نعم، فسمى الجبل نعم، ان انظر، فلما رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة حصينة فقالوا: هذه صنعة ومعناه "حصينة" فسميت صنعاء بذلك، ولم يكن باليمن أكبر ولا أكثر مرافق واهلا من صنعاء وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحول المرء من مكان طول عمره صيفا وشتاء" ويقال ان اسمها أزال وهو اسم ورد في التوراة على اسم أحد أبناء يقطن بن عامر بن شامخ ارفخشد بن سام بن نوح.
وهناك من يقول ان اسم صنعاء جاء اعتمادا على وجود خاصية "جودة الصنعة" في تلك المنطقة وكان اسمها في الجاهلية ازال حتى دخلها الاحباش حينما كانت مشيدة بالحجارة الحصينة فقالوا هذه "صنعة" ومعناها "حصينة" ومنذ ذلك الوقت اطلقوا عليها هذه الاسم. بل واتجاه اخر يرى في تفسير اخر لاسم صنعاء وذلك لان "ازل " تعني باللغة الحبشية "صنع" اي القوة والصلابة.
وتقع صنعاء وسط الهضبة اليمنية في قاع صنعاء بين جبلي نقم وعيبان وعلى ارتفاع نحو2200 متر فوق سطح البحر وتسمى مدينة سام عند اهل الأخبار ومدينة أزال في قصائد الشعراء، اما تسميتها بصنعاء فنسبة إلى جودة الصنعة في ذاتها كقولهم امرأة حسناء وهو اسم عرفت به منذ ميلاد المسيح وقلبها صنعاء القديمة التي لا زالت محتفظة بطابعها المعماري الاصيل واهم المعالم السياحية والأثرية قصر غمدان، الجامع الكبير، سوق الملح، السماسر القديمة، باب اليمن، المتحف الوطني، المتحف الحربي، الحمامات القديمة، وادي ظهر.
اصالة التسمية كما أنها اوسع الوية اليمن وتقع بين لوائي سعدة في الشمال وآب في الجنوب، ويحتل لواء صنعاء الهضبة الوسطى وتقع على سفح جبل "نقم" البالغ ارتفاعه 8 آلاف قدم عن سطح البحر يعني اسمها القديم "صنعو" المكان المحصن تحصينا قويا أصبحت في أوائل القرن الثاني الميلادي مدينة سبئية ومقرا للاسرة الملكية ومنطقة عسكرية جبلية محصنة لذلك فقد سيطرت على طرق التجارة المختلفة في ظل ما قبل الإسلام وبعده أيضا. وبحلول عام 115 - 109 قبل الميلاد اتسعت دولة سبأ وتحولت إلى مركز مرموق في القرن الثاني الميلادي حتى بناء قصر غمدان في القرن الثالث الذي كان مقرا للملك ولما تسلم السلطلة الملك سيف بن ذي يزن استقبل فيه وفدا من اعيان قريش بقيادة عبد المطلب لتهنئته بالانتصار على الاحباش.
ويقع في شمال غرب صنعاء القصر الصيفي السابق للإمام، مقام على صخور تطل على وادي "ظهر". وتضم الجزء الغربي حارة اليهود حيث الصناعات المهنية اليدوية مثل تصنيع الذهب والفضة والتطريز. وقد خفت عزلة صنعاء التقليدية عند بداية عام 1961 حيث فتحت طرق وموانئ الحديدة إضافة إلى طريق اخر يصل إلى منطقة تعز حيث تم ربطه بالميناء القديم الذي يسمى "المخا". وتكسو "وادي ظهر" المساحات الخضراء واشجار الفواكه وذلك على طول 6 كيلومترات، ومن ابرز مبانيه الموجودة في الوادي "قصر الحجر" الشهير.
ومن معالم الوادي أيضا مدينة "جيمان" والتي اشتهرت على مر العصور القديمة بالابداع في فنون العمارة عند بناء القصور والحصون المنيعة حيث تحتضن قبر الملك الحميري المشهور باسم "ابي كرب اسعد".
وهناك قرية "شبام الغراس أو شبام سخيم" وما يميزها عن غيرها انها تضم تراث وبناء وتاريخ ملموس يعود إلى ما قبل الإسلام وما بعده أيضا ومن ذلك المقابر الصخرية - تتكون من غرفة منحوتة داخل الصخر وترتفع بنحو 4 أمتار عن سطح الجبل - التي كانت مخصصة للملوك والحكام الذين تعاقبوا على حكم المنطقة خلال القرن الثاني بعد الميلاد، بل اثبتت الشواهد وعمليات الحفريات اليمنية وجود بعد الموميات المحنطة التي لا يزال بعض منها في المتاحف اليمنية.
وتوجد الحصون المنيعة التاريخية أيضا في قريتي "مناخة وحاز" اللتان كانتا من أكثر المناطق ازدهارا اقتصاديا ومعماريا خلال القرن الثالث الميلادي، اما مدينة "حفة همدان" فقد عاشت نهضتها في القرن الثالث قبل الميلاد بل انها لا تزال تحمل اثار تلك الحقبة السحيقة وذلك بوجود تراث من معبد ونقوش تاريخية قديمة على جدران وواجهات مباني القرية.، ومن المناطق التاريخية أيضا: "بين بهلول، حوث، نهم، ناعط، بين مطر، ريمة، سنحان، خولان.. وغيرها".
احتضنت المدينة العديد من المساجد والمدارس الإسلامية منذ الفجر الأول للإسلام وحكمت المدينة بحزم خلال الحكم العثماني من قبل الامام من أوائل القرن السابع عشر حتى عام 1872، ومن أشهر المساجد، الجامع الكبير وتم بناؤه على نفس نمط الحرم المكي، وقد حل محل كنيسة ابرهة الحبشي "القليس" التي اقامها في صنعاء لتكون بديلا للكعبة الشريفة في مكة المكرمة، وبنى الجامع في عهد نبي الإسلام محمد حيث امر ببنائه في السنة الثامنة للهجرة، واحضرت حجارته من قصر غمدان وقصر سبأ.
اسوار من الجبال تحيط بالعاصمة جبال تسمى السراة من كافة الجوانب حيث توجد أعلى القمم الجبلية في منطقة الجزيرة العربية وهو جبل النبي شعيب بارتفاع 3766 مترا فوق سطح البحر كما تضم نحو 6500 بيت حجري، 106 مساجد، 20 حماما تقليديا قديما، 20 سوقا مبنية جميعها قبل القرن الحادي عشر الميلادي، المنازل التي تحمل العديد من الحكايات والروايات التي مرت بها عبر الاجيال المختلفة، بنيت من صخور البازلت والطوب الطيني، والتي تتزين بالرسومات المنحوتة البارزة والنوافذ الرائعة التي تحمل اسم القمريات نسبة إلى القمر حيث تتميز بالوان زجاجها الذي يعكس الضوء إلى الداخل بالوان قوس قزح.
اما السور الضخم فيبلغ طوله 6200 متر هو من المعالم التاريخية القديمة ويعود إلى العصر السبئي القديم والعصر الحميري والعصر الإسلامي ويرجع إلى القرن الميلادي الأول وهو يأخذ شكل رقم 8 باللغة الإنجليزية وله 6 بوابات كانت تغلق بحلول الساعة الثامنة مساء فيما يتم فتحها مع بداية صلاة الفجر، هذا التراث قد اندثر إلا من باب واحد هو باب اليمن لا يزال شاهدا على عظمة هذه المدينة وتاريخها وإمكانياتها، وكان له في العهد القديم 4 أبواب هي:
باب شعوب، باب السبح، باب ستران وباب اليمن فيما تم بعد ذلك زيادة الأبواب منها باب الشقاريف وباب خزيمة. ويؤكد أحد المؤرخين اليمنيين "محمد الفرح" ان سور اليمن وجد في عهد الدولة اليعفرية خلال السنوات 439 - 532 هجرية في القرن الرابع الهجري، وكذلك في الدولة الصليحية في القرن الخامس والسادس الهجري، اما في عام 569 خضعت اليمن لسيطرة الدولة الايوبية بقيادة صلاح الدين الايوبي حيث ارسل شقيقه "نور شاه" و"طغتكين بن أيوب" الذي قام ببناء سور صنعاء فيما قال انه قام بتكملته. ويقال ان بانيه هو "شعرم اوتر".
اما منازل المدينة فلها مواصفات خاصة بالبناء والسكن أيضا، فهي اولا ذات ارتفاعات في متوسطها من 5 طوابق ذات تقسيمات خاصة من الداخل حيث تعتبر دائما الطوابق الأرضية بمثابة مخزن للمنزل أو لتربية الماشية ولوازمها ثم صالة الديوان الكبير والذي يخصص للمناسبات الاجتماعية ثم تأتي غرف الدور الثاني وهي مخصصة للنساء فيما تكون باقي الادوار العليا للرجال، وفي تلك المجالس يسمع الحاضرون لقصائد الشعر والنثر والاجتماعات والمناسبات الادبية، كما توجد في معظم المنازل العديد من الأبواب المخفية التي تعتبر مكانا سريا يتم فيه حفظ الأسلحة والبنادق إضافة إلى الاشياء الثمينة والتحف النادرة ذات القيمة العالية.
وتتميز بنايات العاصمة بانها تحمل لون الرمل حيث لون الطوب الذي دخل في بنائها اي الطوب ذات اللون الوردي الذي يكتسي بلون اسمر مذهب ويمكن القول ان هذا اللون هو لون العاصمة الحالية والمدينة التاريخية قديما والتي يتزامن تاريخها الذي يعود إلى آلاف السنين مع وجود تلك البنايات التاريخية مثل قصر غمدان التاريخي وتضم صنعاء قصر غمدان أقدم بل أول قصور اليمن واشهرها واكثرها تميزا وندرة والذي بناه هو الذي بنى صنعاء سام بن نوح. وجاء في كتاب "الاكليل" للمؤرخ اليمني أبو محمد الحسن الهمداني "ان سام بن نوح فكر في السكن في ارض الشمال فاقبل طالعا من الجنوب يرتاد اطيب البلاد حتى صار إلى الإقليم الأول فوجد اليمن اطيبه مسكنا وارتاد اليمن فوجد حقل صنعاء اطيبها فوضع مقرانه - وهو الخيط الرفيع الذي يقدر به البناء إذا مد بموضع الاساس - في ناحية "فج عضدان" في غربي الحقل مما يلي جبل عيبان، فبنى الركن الذي يوضع عليه الأساس فلما ارتفع الركن بعث الله طائرا اختطف المقرانة وطار بها وسام يتبعه لينظر اين يسقطه، فتوجه الطائر إلى جيوب النعيم، ما ارتفع من الأرض ودون الهضبة، من سفح جبل نقم، فوقع بها، فلما اقترب منه طار بها وطرحها على حرة غمدان ـ الحرة بلهجة اهل اليمن هي الأرض المدرجة في المرتفعات ـ فلما استقرت المقرانة على حرة غمدان علم سام انه قد امر بالبناء هناك فاقام قصر غمدان وحفر بئره".
اسواق نادرة احتضنت صنعاء الاسواق القديمة في الفترة التي سبقت دخولها الإسلام ومن تلك الاسواق الشهيرة، سوق عكاظ، دومة الجندل، هجر، عدن، الجند.
حيث كانت النقطة الأكثر اهمية على طريق اللبان والتي تنطلق من عدن مرورا بصنعاء ووصولا إلى مكة المكرمة، ومن تلك الاسواق: درب اصحاب الفيل هو نفسه طريق القوافل التي كانت تتجه لاسواق العرب الموسمية قبل الإسلام.، سوق صنعاء الذي كان يعقد في منتصف أشهر رمضان المبارك وذلك ضمن اسواق العرب التي كانت تبدأ في "دومة الجندل" بين الشام والحجاز في أول يوم من شهر ربيع الأول، وأيضا سوق "المشقر" الهفوف حاليا، ثم سوق "صحار ودبا" على بحر الخلياء، وسوق "شحر مهرة" على ساحل البحر العربي، ثم سوق عدن، سوق عكاظ، اما أسماء شهر الاسواق الحالية فهي سوق الملح، سوق الزبيب، سوق القات، سوق الجنابي "الخناجر"، سوق المخلاص، سوق الفضة، سوق اللقمة، سوق القماش، سوق النحاس، سوق المبصاده أو القملة "الملابس القديمة"، سوق الخريف "الفواكه"، سوق النظارة، سوق الجديد وسوق الخياطة...الخ.
خضعت صنعاء خلال القرن السادس عشر للاحتلال من قبل الطورانيين بعد اختيار اليمن من قبل الاتراك باعتبارها منطقة آمنة بعيدة عن الخطر مما دفعهم لبناء قصر في منطقة الغرب حيث تركزت القوات المسلحة حيث سميت بعد ذلك بحارات السلطان. وبعد 55 عاما من الحكم الايوبي تحولت السلطة والحكم إلى الموالين وانصارهم الذين حولوا العاصمة إلى تعز. المدينة كانت ضمن اهداف العثمانيين خلال حكم سليمان.
الحكام العثمانيين حكموا من قصر الصالح في صنعاء في الشرق، اما الحاكم سنان باشا كان له جامع كبير وحمام كبير في المنطقة وهي لا تزال حتى الآن تستخدم بشكل طبيعي. وانتشرت أسطورة صنعاء خلال القرن الثامن عشر في أوروبا حيث وصلت أول حملة ومهمة علمية أوروبية إلى صنعاء من الدنمارك ومن ثم تبعها حملات وزيارات عديدة حتي يومنا الحالي. وقد بدأ تاريخ المدينة الحديث في عام 1872 ابتداء من الغزو الثاني من قبل الاتراك.
وبعد دخول الإسلام أصبحت صنعاء ضمن 6 ولايات كما قسمها الرسول حيث سكنها علي بن ابي طالب، وفي عهد الخلفاء عم السلام صنعاء وعندما نشب خلاف بين علي ومعاوية قررت الوقوف إلى جانب علي الامر الذي دفع بمعاوية إلى إرسال حملة لتوطيد مركزه وتعزيز الدولة الأموية في اليمن، ثم جاءت فترة حكم الدولة اليعفرية 294 هـ - 897 م وبعدها الدولة الايوبية، ثم الدولة الرسولية التي استمرت 223 عاما توحدت خلالها اليمن حتى جاء عهد الأئمة الذي شهد خلافات وصراعات طويلة انتهت بولاية الامام يحيى العثماني في عام 1918.
كبار الاعلام عاش في ظل الدولة اليمنية القديمة العديد من الاعلام الكبار منهم: عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري الصفاني صاحب المصنف ومن رجال الثقة المعروفين في ذلك الوقت روي عنهم محمد بن يحيى الذهلي، علي بن المديني، سفيان بن عيينه ومعتمر بن سلمان وابو أسامة حماد بن أسامة وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية وأحمد بن منصور الرمادي والشاذكوني المتوفى عام 211 هجرية.
ويقال انه قد دخلها أيضا عدد من الصحابة ومنهم ثمامة وعلي بن ابي طالب التي لا يزال مسجده حتى الآن، ومولى عثمان بن عفان ووهب بن منبه التابعي وطاووس اليماني التابعي الكبير وعبد الله بن كثير أحد القراء السبعة والامام محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام. وقيل فيها:
صنعاء لا ارتضي عن اهلها بدلا ***اكرم بها وبسكان بها نزلوا لم انس طيبا لاوقاتي بساحتها ***والسحب باقية والبرق مبتسم

هناك تعليق واحد:

ندى يقول...

شكرا جزيلا على هذا الموضوع الشيق